اتص بنا

مرحبا بكم في مدونة إحسان للتكنولوجيا | الأفضل لكم
آخر الأخبار

28‏/08‏/2017

النظافة الشخصية ورؤية الغرب للبيئة

النظافة الشخصية ورؤية الغرب للبيئة

ملخص المقال

النظافة الشخصية ورؤية الغرب للبيئة مقال للدكتور راغب السرجاني يتحدث فيه عن مسألة نظافة الإنسان الشخصية ونظافة البيوت والطرق والأماكن في أوربا وما ترتب عليها من نتائج

من أوضح المظاهر التي تُثبت أنَّ الرؤية الغربية للبيئة كانت استنزافًا واستعمالًا فقط دون مبالاة لجانب الحماية للموارد البيئية، مسألة النظافة الشخصية ونظافة البيوت والطرق والأماكن.
منذ العصور الوسطى سرت بين الرهبان حركةً واسعةً ترى من الزهد الابتعاد عن النظافة والتطهر بالماء، وبلغوا في هذا غرائب! فلقد كان أعظمهم هو أزهدهم في الماء، حتى إنَّ الراهب أنتوني سُجِّل من "مناقبه" أنَّه "لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره"[1].
ينقل الرَّحَّالة المسلم ابن فضلان[2] في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) صورةً عن روسيا يقول فيها: "وهم أقذر خلق الله لا يستنجون من غائطٍ ولا بول، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يغسلون أيديهم من الطعام... ولا بُدَّ لهم في كلِّ يومٍ من غسل وجوههم ورءوسهم بأقذر ماءٍ يكون وأطفسه، وذلك أنَّ الجارية توافي كلَّ يومٍ بالغداة ومعها قصعةٌ كبيرةٌ فيها ماء فتدفعها إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه وشعر رأسه فيغسله ويسرِّحه بالمشط في القصعة، ثُمَّ يمتخط ويبصق فيها ولا يدع شيئًا من القذر إلا فعله في ذلك الماء، فإذا فرغ مما يحتاج إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي إلى جانبه ففعل مثل فعل صاحبه، ولا تزال ترفعها من واحدٍ إلى واحد حتى تُديرها على جميع من في البيت، وكلُّ واحدٍ منهم يمتخط ويبصق فيها ويغسل وجهه وشعره فيها"[3].
يصف المؤرخ الكبير ول ديورانت الحالة في لندن في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، يقول: "ولم تكن الشوارع فيها مرصوفة فكانت العربات ترش –مزهوةً- ماء المطر أو الوحل على المشاة وهي تصطدم بالجدران في الأزقة الضيقة، وكانت المنازل ضيقة جدًّا بعضها من بعض، والأدوار العليا متلاصقة متقابلة ممَّا لا يدع مجالًا لضوء الشمس المتقطع أن ينفذ إليها. ولم يكن نظام المجاري الحالي معروفًا في لندن آنذاك، بل كانت مراحيض خارجية وبالوعات، وكانت العربات تحمل الفضلات وتقذف بها خارج حدود المدينة أو في نهر التيمز بطريقٍ خفيفةٍ غير مشروعة"[4].
لا يتحرك أحدٌ لتغيير هذا الوضع إلا عندما تبدأ المشكلات في الظهور، ولقد ظهرت الأزمة البيئية لإهمال الصرف الصحي بشكل واضح في منتصف القرن التاسع عشر وتحديدًا في عام 1854م على يد جون سنو؛ فلقد انتشر وباء الكوليرا في منطقة سوهو في لندن، وقد تسبَّبت أوبئة الكوليرا وحمَّى التيفود في أن تفقد المدن المزدحمة في أوربا مئات الآلاف من الأشخاص الذين لقوا مصرعهم في أسوأ حالات تفشِّي المرض، وقد اتَّفق كثيرٌ من الأطباء أنَّ للمرض علاقة بالقذارة إلى حدٍّ كبير؛ فقد شهد الصرف الصحي في هذا الوقت تراكم بول وبراز الإنسان مختلطًا بنفاياتٍ أخرى متعفِّنة في بالوعات مجاري نتنة في الشوارع، وكانت حالات الوفاة أخطر بين الفقراء في الضواحي المزدحمة الرطبة القذرة التي لا يُوجد بها صرفٌ صحيٌّ مناسب. لقد سادت فكرة أنَّ الهواء المتعفن من أثر الصرف الصحيِّ هو المتسبب في الكوليرا، بينما أثبت الطبيب البريطاني جون سنو أنَّ الأمراض تنتقل عن طريق الماء الملوَّث، واستخدم خريطةً لبحث انتشار المرض ليكتشف أنَّ ضحايا الكوليرا يسكنون بالقرب من بئرٍ معين ومضخةٍ في أحد شوارع لندن، وأمَّا الآخرون فإنَّهم لم يُصابوا إلا إذا أرسلوا أطفالهم مدارس بالقرب من هذه المضخة، ولمـَّا أزال سنو مقبض هذه المضخة لئلَّا يتمكَّن أحدٌ من فتحها واستعمالها انتهى المرض تقريبًا، وبهذا ثبت انتقال المرض عبر الماء[5].
في عام 1847م أي في منتصف القرن التاسع عشر وأثناء محاولة الطبيب النمساوي إجناز سميلويس تَفَهُّم كثرة حالات الوفاة بين السيدات حديثي الولادة في فيينا بمرض حمَّى النفاس -حتى بلغت واحدة من كلِّ عشر نساء- ظهر له كثرة حالات الوفيات في القسم الذي يتدرَّب فيه طلاب الطب على تشريح جثث المتوفيات عن القسم الذي يتدرَّب فيه القابلات والممرضات، ثُمَّ اكتشف اكتشافًا ذا دلالة؛ ذلك أنَّ الأطباء يتوجهون مباشرةً من تشريح الجثث المصابة دون غسل أيديهم إلى توليد النساء الأخريات، فينقلون بذلك العدوى بحمَّى النفاس من المتوفيات، وعندما قام الطلاب بغسل أيديهم في محلول الجير المعالج بالكلور انخفضت الوفيات إلى 2%، وعندما تم تطهير أدوات الجراحة انخفضت إلى 1% فقط، ولم يلق اكتشافه هذا ارتياحًا من زملائه الذين رفضوا أن يكون سلوكهم "غير النظيف" هو السبب في الوفيات السابقة، فرفضوا آراءه وطردوه من فيينا، ولكن كانت اكتشافاته هي حجر الأساس -بالنسبة إلى أوربا[6]- لنظرية الجراثيم المسبِّبة للمرض[7].
لقد كان من الطبيعيِّ ألَّا ينتبه فكرٌ تأسَّس على استهلاك البيئة إلى حمايتها، طالما لم تبلغ أضرار تلوثها ما يُؤثِّر على الأرباح المتوقعة، وهذا ما أدَّى إلى معركة البيئة مع الفكر المادي، وهو موضوع المقال القادم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ليكي: تاريخ أخلاق أوربا صiv، نقلاً عن: أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص151.
[2] ابن فضلان: هو محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان البغدادي الشافعي، مدرِّس المستنصرية، قاضي القضاة، برع في المذهب، ورحل إلى خراسان، وناظر علماءها، تُوُفِّي في شوال سنة (631هـ = 1233م). انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 5/132.
[3] ابن فضلان: رسالة ابن فضلان ص151، 152.
[4] ول ديورانت: قصة الحضارة 32/128.
[5] ديفيد إليارد: موسوعة الاكتشافات العلمية ص381، 382.
[6] قلنا بالنسبة إلى أوربا لما بيناه من قبل من اكتشاف علماء المسلمين في الطب للعدوى، ولما قدمناه من السلوكيات الراقية في المستشفيات في عصور الحضارة الإسلامية، راجع: فصل (الحماية من الأمراض) من الباب الثالث، وفصل (رعاية البيئة في تاريخ الحضارة الإسلامية) من الباب الرابع.
[7] ديفيد إليارد: موسوعة الاكتشافات العلمية ص351، 352.

 

تقييم الموضوع:
{[['']]}

شاركه

Hm

علي أبو شاهين=الفتي الحجاج= : يقيم في جمهورية مصر العربية, أحاول أضافة شئ للمحتوى العربي ليستفيد أخوتي فى الله للنهوض بالفكر العربي ,ولا أرجوا من وراء هذا العمل الأ دعوة عن ظهر غيب لعل الله يرحمني ولهذا أسميتها إحسان للتكنولوجيا

2 التعليقات

التعليقات
Unknown
المشرف
28 أغسطس 2017 في 10:49 ص

جزاك الله خير ربنا يجعلها ليك في ميزان حسناتك. ...

رد
avatar
dn2ner2020
المشرف
28 أغسطس 2017 في 11:12 ص

جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعا الله وإياك بما تقدمه

رد
avatar

مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

جميع الحقوق محفوظة 2015 | احسان للتكنولوجيا أعلن معنا Privacy Policy خريطة الموقع سياسة الخصوصية تصميم :القيسي ويب